الأحد، 31 أغسطس 2008

الحلزون !




هل رأى أحدكم قوقعتي ؟

همممم، لا أستطيع بالضبط أن أتذكر أين تركتها في آخر مره. لم أكن أعلم أنني سأحتاجها مرةً أخرى، يا لي من غبي.

غبي ؟! هه لا بل حلزونٌ غبي، لتكتمل صفة الغباء ببطء. يقال بأن إدراك الحلزون لضعفه، نوع من أنواع القوة.

أما أنا حلزونٌ غبي، ضعيف، رخو، لم أدرك هذا عندما تركت قوقعتي. كانت تحميني أثناء إنخفاض درجات الحرارة، ومن عبث الكائنات الأخرى. لم أكن كباقي الحلزونات التي تحمل قواقعها بسلام، لم أكن أريد أن أتقبل العالم كـ حتمية. كنت طائشاً، ثورياً أراد التحرر فبدأ بهدم جدران بيته. كنت أريد أن أستمر برحلتي إلى أقصى الوجود. أن أعرف من أنا ؟ أن أكتشف إذا ما كانت توجد هناك حياة أخرى خارج هذا المكان الواسع، إذا ما كان سلوكنا فطرياً أم هو عبارة عن عاداتٍ يحكمها المجتمع. إذا ما كان الحب هو ما يوّحد الأشياء !

آه .. ، الآن فقط أتذكر.كنت قد غادرت قوقعتي لأختبر هذا الشيء، كانت فاتنة في تلك الليلة التي كان سنا البدر ينعكس على قوقعتها الصافية كـ فضة. كل ما حولنا كان يغري بالحب، كانت رائحة أنفاسها تدوّخني تجعلني لا أسيطر على تصرفاتي أو أقوالي ، كـ بخور صوفيّ.

كانت فكرة الإتحاد بجسمها الرخو تسيطر علي شيئاً فشيئاً، أعلم بأن الحلزونات لا تمارس الحب إطلاقاً، إنما هي كائنات خُنثى تضع بيضها بنفسها، وكأنها منذورة للوحدة واللا أحد . لكن في تلك الليلة كانت تسيطر علي فكرة ممارسة الحُب معها، الإلتصاق بها،أردت أن أحتضنها حتى نتحد، ونتنفس برئةٍ واحدة، أن نكون بروحٍ واحدة. هل الحب هو ما يوحد الأشياء فعلاً ؟! كما قال أحدهم.*

يالهذا البرد القارس، أين تركت قوقعتي ؟هذا هو اليوم الخامس على التوالي الذي أغرق فيه بالبحث عنها وأغرق أكثر بالأسئلة اللا نهائية. وبفلسفة الأشياء من حولي، فالحلزون هو مقياس كل شيء**

الحب والكره، الخير والشر كل هذه الأشياء تخضع لمقاييسنا نحن، وبحسب حاجاتنا. ولكن هل رأى أحدكم قوقعتي ؟!
لا أحتمل أن أُرى ضعيفاً عارياً هكذا أمام الجميع،أعلم بأنكم جميعاً ضعفاء وتحاولون إخفاء هذا الضعف، أنا أيضاً كذلك، ولكن هناك لحظات سحرية نكون فيها مع من نحب، نكون معه . اممم أقصد لدرجة أن نكون معه ضد الجميع، حتى أنفسنا.

هناك لحظات نحتاج فيها أن نكشف حجم ضعفنا، أن نكشف حجم خوفنا، نحتاج أن نبوح بهذا السر لأحدهم. أن نخرج من قوقعتنا ونرقص عراةً تحت ضوء القمر. ولكن دائماً هنالك خيبات تجعلنا نبحث عن قوقعتنا لنلجأ إليها من الجميع، وبالأخص ممن نحب. نصعق دائماً في النهاية عندما نكتشف أنهم الأقدر على سحقنا، فنحن أمامهم مجرد حلزونات بلا قواقع. أين قوقعتي ؟ هل رأى أحدكم قوقعتي ؟

كفاكم ضحكاً وسخرية.. جميعكم حلزونات رخوة ضعيفة، لا تجرؤ على الخروج من قوقعتها.وتتحدثون عن الحرية، إن حريتكم زائفة تماماً كعقولكم.فالحرية ليست أن تكون لك قوقعة أكثر إتساعاً من الآخرين !الحريّة هي الحب الذي يجعلنا نقف عراةً أمام من نحبهم.

* " مايوحد الأشياء هو الحب، ما يفرقها هو الكره."أمفيدوكليس [434-494 ق.م]
** "الإنسان مقياس كل شيء."بروتاغوراس [420-487 ق.م]